شهادات شفهية من أهالي حلب: مشروع رقمي لحفظ الذاكرة المحلية
مقدمة: لماذا تُعد الشهادات الشفهية مهمة لحلب؟
تُمثّل الشهادات الشفهية ذاكرةً حيّة للمجتمع: قصص يومية، معرفات مهنية، أسماء أحياء، ممارسات حرفية، وذاكرة رخاء ومعاناة مرت بها المدينة. إن توثيق هذه الشهادات رقمياً لا يحفظ المحتوى فحسب، بل يُعيد ربط الأجيال بتاريخها المحليّ ويتيح لمؤرّخين وباحثين وواضعي السياسات الاطلاع على روايات مباشرة من شهود عيان.
مشاريع أرشفة التراث السوري الرقمي تُظهِر كيف تُستخدم الصور والخرائط والشهادات لتكوين قاعدة بيانات يمكن أن تدعم ترميم المباني، إعادة بناء القصص المجتمعية، ومحاكمات العدالة التاريخية. على سبيل المثال، يركّز مشروع Syrian Heritage Archive Project على تجميع مواد بصرية ووثائقية للأقاليم السورية، مع اهتمام خاص بحلب منذ 2017.
أُطر عمل وممارسات تقنية لجمع الشهادات الشفهية
لبناء أرشيف شفهي رقمي موثوق يجب تحديد أولويات واضحة وإتباع ممارسات مهنية في مراحل المشروع:
- تصميم المشروع وأهدافه: تحديد النطاق (أمثلة: أحياء محددة في حلب، حِرَف تقليدية، تجارب النزوح) وجمهور الوصول (العامة، الباحثون، المدارس).
- معدات وتنسيقات التسجيل: تسجيل صوتي بجودة عالية (.wav أو غير مضغوط) ونسخ للاستخدام (.mp3) مع احتفاظ بنسخ حفظ أصلية. يُوصي الدليل المهني بممارسات الحفظ الرقمي وتخطيط النسخ الاحتياطية.
- المنصّات والبرامج: اعتماد منصّات تدعم تحكّم المجتمع وبروتوكولات الوصول مثل Mukurtu للمجتمعات المحلية أو أنظمة أرشيفية مفتوحة المصدر مثل Omeka، والتي تسمح بإدارة الحقوق والوصول وتجزئة المحتوى. Mukurtu مثلاً يركّز على منح المجتمع سلطة التحكم في قواعد مشاركة المواد الرقمية.
- المعالجة الوصفية والميتا بيانات: تسجيل بيانات وصفية إدارية وتقنية وحقوقية (اسم الراوي، تاريخ ومكان التسجيل، لغة الراوي، موضوعات رئيسية، قيود الوصول) بما يتوافق مع معايير الأرشفة لضمان قابلية الاكتشاف والحفظ.
في السياق السوري، تعمل مبادرات محلية ومدنّسة على إطلاق منصّات شهادات شفهية تجمع روايات ضحايا ونشطاء ومنظمات مجتمع مدني؛ مثل جهود منظمات سورية مدنية لتأسيس أرشيف شفهي على شبكة الإنترنت لتوثيق تجارب مختلفة خلال النزاع.
الاعتبارات الأخلاقية، القانونية، والتوصيات العملية
مشروع أرشفة الشهادات الشفهية يجب أن يبقى مراعيًا للأمن، الكرامة، والحقوق القانونية للراوِينَ. فيما يأتي نقاط مفتاحية يجب مراعاتها:
- الموافقات وإدارة الحقوق: توقيع استمارات موافقة واضحة توضح من يمكنه الاستماع أو الاقتباس من المادة، ومدة الإتاحة، وإمكانية سحب الموافقة لاحقاً. توثيق الشروط حقوقياً يحمي الراوي والمؤرّخ.
- حماية السرد والخصوصية: في حالات الراوي المعرّض للخطر، يمكن فرض قيود على الوصول أو تعمية هوية الراوي أو تأخير النشر العام للمواد.
- الحفظ والنسخ الاحتياطية المتوزعة: اعتماد قاعدة "النسخ المتعددة تحفظ المواد" (LOCKSS) وتخزين نسخ في مواقع متعددة، سواء محلياً أو عبر شراكات مع مؤسسات خارجية مضمونة الاستقرار.
- التوثيق والتدريب المجتمعي: تدريب متطوعين ومحليين على منهجيات المقابلة، تدوين الملاحظات، وإجراءات المعالجة الوصفية يضمن مشاركة المجتمع ويعزّز الملكية المحلية للمشروع.
من المهم أيضاً النظر إلى أمثلة رقمية ناجحة للاستفادة من تجاربها في الإدارة والانتشار؛ فمشروع Museum of Civilian Voices في أوكرانيا يُعدّ مثالاً على أرشيف رقمي ضخم يحفظ قصص المدنيين كقاعدة أدلة وتذكّر، وهو نموذج يمكن دراسته واستلهام مبادئه فيما يتعلق بإمكانية التوسع والبرامج العامة.
خطوات مقترحة للانطلاق
- إطلاق مرحلة تجريبية في حي واحد مع 30-50 مقابلة نموذجية.
- إعداد دليل تقني وأخلاقي مُعتمد يوضّح بروتوكولات التسجيل، الصيغة، ووثائق الموافقة.
- إقامة شراكات مع مستودع رقمي أو مكتبة جامعية قادرة على الحفظ طويل الأمد.
- تخصيص ميزانية لأمن البيانات والتدريب وصيانة الخوادم والنسخ الاحتياطية.
تُظهر الأدلة المهنية أن التخطيط المبكر للحقوق، الميتاداتا، والحفظ هو ما يحدّد نجاح استدامة أي مشروع شفهي.
خاتمة
مشروع شهادات شفهية من أهالي حلب يمكن أن يكون ركيزةً لحفظ ذاكرة المدينة وإعادة إحياء تراثها المادي واللاّمادي. بالاعتماد على ممارسات عالمية مُجربة، وبشراكات محلية ودولية تراعي الأخلاقيات والحقوق، يصبح الأرشف الرقمي أداةً للعدالة التاريخية، البحث، والتعليم، والترابط المجتمعي.