صابون حلب: من حرفةٍ أثرية إلى تصنيع مستدام يحافظ على التراث
مقدمة: لماذا يبقى صابون حلب مادة ثقافية واقتصادية مهمة؟
صابون حلب (صابون الغار) هو أحد رموز الحرف اليدوية في منطقة شمال بلاد الشام، ويجمع بين مادة بسيطة ومقدرة ثقافية متوارثة: زيت الزيتون وزيت الغار. يحظى الصابون بتقدير عالمي لخصائصه الجلدية ولبساطته، كما يمثّل مصدر رزق لعائلات وحرفيين مرتبطين بصناعة امتدت لقرون. في ديسمبر 2024، أُدرجت «حرفة صنع صابون غار حلب» على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي لدى اليونسكو، ما أعطى دفعة حماية وتركيزًا جديدًا على الجانب الاجتماعي والبيئي لهذه الحرفة.
تاريخ سريع وطريقة الصُنع التقليدية
لا يمكن تحديد منشأ صابون حلب بدقة تامة، لكنه معروف وأنشئَت له ممارسات تقليدية متصلة بالمنطقة منذ قرون، ويُروى عنه أنه موجود منذ آلاف السنين. تعتمد الطريقة التقليدية على سلق زيت الزيتون مع محلول قلوي (الصودا الكاوية) في أحواض كبيرة لعدة أيام حتى تتم عملية التصبين (saponification). ثم تُضاف نقطة زيت الغار في نهاية الطهي. بعد ذلك يُسكب المزيج على أرضية المصنع ليبرد، ويقوم الحِرَفيون بتمشيط السطح وتسويته قبل تقطيعه إلى مكعبات وختمها بختم العائلة أو المصنع، ثم تُرصُّ القطع في أبراج تهوية لتجفّ وتتقدّم خلال فترة تصل عادة من ستة أشهر إلى سنة حسب الممارسات التقليدية.
مكونات بسيطة — فوائد متعددة
- المكونات التقليدية الأساسية: زيت الزيتون، زيت ثمار الغار (gar/laurel), الماء، والصودا الكاوية.
- نسبة زيت الغار داخل التركيبة هي محدد جودة وتكلفة؛ تتراوح عادة بين 5% و40% (وتوجد منتجات أعلى أو أدنى في السوق التجاري). كلما زادت نسبة الغار زادت رائحة ومفعول الصابون ومكانته السعرية.
واقع التصنيع اليوم: تحديات بعد النزاع وفرص للحِرف المستدامة
أثر النزاع في سوريا بشكل كبير على إنتاج صابون حلب: قبل الحرب كانت هناك نحو مئات المصانع والمشاغل في المدينة والمنطقة المحيطة، بينما تضاءل عدد المصانع العاملة داخل المدينة نتيجة الدمار والتهجير، ونقل بعض المنتجين لمواقع بديلة داخل دمشق أو إلى محافظات تركية مجاورة. هذه التحولات خلقت مشاكل سلاسل تزويد وفتحت الباب أمام تقليد المنتجات في الأسواق العالمية، لكنها أيضاً حفّزت مبادرات دعم وحماية الحرفة، بما في ذلك مشاريع تعاون بين نساء سوريات وتركيات لإعادة إحياء طرق الإنتاج التقليدي وفتح أسواق جديدة.
اتجاهات الاستدامة والممارسات الجيدة
تسعى مبادرات متعددة إلى جعل الإنتاج أكثر استدامة وشفافية عبر:
- الاعتماد على زيت الغار والمواد المحلية المدارة بشكل مستدام ودعم فلاحي المناطق الساحلية (مثل محافظات هاتاي وطرطوس تاريخياً).
- حجب مكوّنات ضارة (تجنّب زيوت النخيل أو الإضافات الصناعية) والحفاظ على تركيبة طبيعية قابلة للتحلل.
- العمل التعاوني وتمكين النساء والحرفيين من خلال ورش، مشاريع لوجستية وتصديرية، وشبكات توزيع عادلة.
- توثيق المصدر (شهادات منشأ، علامات تجارية أسرية، ختم يدوي وشفافية نسب زيت الغار) للحماية من التزييف وتعزيز ثقة المستهلك.
أشادت لجنة اليونسكو أيضاً بأن ترشيح حرفة صابون غار شمل خطة لإدارة الموارد والطرق الطبيعية المختصة بالحصاد والاستخراج، مما يُعزز الربط بين الحفاظ على التراث والتنمية المستدامة للمجتمعات المحلية.
دليل عملي للمشتري والمحافظة على القطع: كيف تميّز الأصل عن التقليد؟
نصائح سريعة عند الشراء:
- اقرأ المكونات: الصابون الأصيل يذكر زيت الزيتون وزيت الغار كمكوّنات رئيسية فقط؛ غياب هذه الشفافية قد يدل على تقليد.
- تحقق من نسبة الغار المعلنة: 5% و10% و20% و40% هي نسب شائعة؛ النسبة الأعلى تعني عادة منتجاً أغنى وأكثر تكلفة.
- الختم اليدوي والاسم العائلي أو اسم المصنع ونظام التوثيق يزيدان من الاعتماد؛ احذر من أسعار منخفضة غير مبررة.
- لون المقطع الداخلي الأخضر الذهبي بعد التعتيق دليل شائع على الصنع التقليدي والعمر الكافي للتجفيف.
حفظ الصابون واستخدامه
لحفظ جودة الصابون: قطّع القطعة عند الحاجة، احفظها جافة بين مرات الاستخدام، وابتعد عن التعرض المطوّل للماء أثناء التخزين؛ الصابون التقليدي يتحسن مع الزمن ويصبح أطول عمراً إذا حفظ بشكل صحيح.
خاتمة
صابون حلب أكثر من منتج نظافة؛ إنه إرثٍ اجتماعي واقتصادي مرتبط بالهوية المحلية. إدراجه لدى اليونسكو أعاد تسليط الضوء على أهميته ورغم تحديات ما بعد النزاع، فإن ممارسات الاستدامة—من إدارة حصاد الغار إلى دعم التعاونيات والشفافية في السلسلة—تشكل فرصاً لإحياء هذه الحرفة وحماية سبل العيش المرتبطة بها. إذا رغبت المادة تتبع مبادرات محلية أو شراء أصلي، فابحث عن توثيق المنشأ وشهادات التعاونيات أو المشاريع التي تدعم الحرفيين.