من الحقل إلى المائدة: فلفل حلب بين آثار النزاع وفرص الإحياء
مقدمة: فلفل حلب كرمز ذوقي وثقافي
فلفل حلب (الفلفل الحلَبي) ليس مجرد توابل في المطبخ السوري، بل رمز نكهة مرتبط بهوية مدينة حلب ومأكولاتها التقليدية مثل المحمرة والشيش والكباب الحلبي. منذ سنوات ما بعد 2011، شهدت سلاسل إنتاج هذا الفلفل تغيّرات جوهرية: حقول متروكة أو مدمّرة، هجرات مزارعين، وتحوّل مصدر الكثير من المنتجات المُباعة في الأسواق العالمية إلى مناطق مجاورة مثل جنوب تركيا.
في هذا المقال نراجع كيف أثّر الصراع وتغير المناخ على إنتاج الفلفل الحلَبي، ونستعرض إمكانيات وقيود العودة إلى الزراعة التقليدية، مع توصيات عملية للمزارعين وصناع القرار والطهاة والمهتمين بالحفاظ على هذا التراث الغذائي.
أثر النزاع والجفاف على الإنتاج المحلي
تدمير البنية الزراعية والتهجير: أدّت سنوات النزاع إلى خسائر مباشرة في البنية التحتية الزراعية—من آبار وري إلى آلات زراعية—كما نزح عدد كبير من المزارعين ما قلّص مساحة الأراضي المزروعة وواصل إضعاف سلاسل التوريد.
الجفاف وتغير المناخ: منذ موسم 2024–2025 تعمّقت أزمات المياه والجفاف التي ضربت سوريا، ما أدّى إلى انخفاض كبير في المحاصيل الأساسية وقلّص الموارد المائية المتاحة لمحاصيل البستان والفلفل. تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) تشيرُ إلى أن الأزمة الحالية تُعدّ من أسوأ مواسم الزراعة منذ عقود، مع تأثيرات مباشرة على قدرة المزارعين على استئناف زراعة المحاصيل غير الأساسية كالبهارات.
- تعرض الحقول للقصف والاحتلال أو لتدمير البنية التحتية.
- فقدان سوق المحلية والتصديرية نتيجة لتبدّل التجار وطرق النقل وارتفاع تكاليف المدخلات.
- نقص البذور والمخصبات والوقود والتمويل الزراعي.
نتيجة هذه العوامل، شهدت الأسواق المحلية إمدادًا متزايدًا ببدائلٍ من تركيا، وأصبحت بعض المطابخ تعتمد على منتجات تُسوّق على أنها "نمط حلب" أو "مُعادل حلبي" بدل الأصل السوري.
إمكانيات العودة واستراتيجيات التعافي
على الرغم من التحديات، تتوافر فرص محدودة وواقعية لإعادة إحياء إنتاج فلفل حلب إذا توافرت سلسلة من الإجراءات المتكاملة:
مقترحات عملية للمزارعين والجهات الداعمة
- حماية البذور والسلالات المحلية: إنشاء بنوك بذور محلية وتوثيق أصناف الفلفل الحلَبي لضمان نقل الصفات الأصلية (النكهة واللون) عبر المواسم.
- تعزيز التعاونيات وسلاسل القيمة: دعم تعاونيات مزارعين صغيرة لتجميع المحصول، وضمان الوصول إلى أسواق اكبر وشروط أفضل للتسويق والبيع المباشر.
- برامج مقاومة الجفاف وتقنيات الري الذكي: إدخال أنظمة ريّ منخفضة الاستهلاك (مثل التنقيط) والتدريب على ممارسات زراعية محافظة على المياه لتقليل المخاطر المناخية.
- ضبط الجودة وحماية المنشأ: العمل على شهادات جودة محلية/إقليمية، وتوثيق الأصل (Geographical Indication) عندما يكون ذلك ممكنًا لحماية علامة "فلفل حلب" من التقليد.
- التسويق المتمايز والنيش: تسويق الفلفل الحلَبي كمنتج تراثي مميز في الأسواق التخصصية، ما قد يرفع السعر ويشجّع المزارعين على العودة للزراعة.
منظمات دولية مثل الفاو تعمل مع مزارعين سوريين لتقديم دعم طارئ طويل الأمد وبرامج مرونة زراعية؛ وقدّم ذلك إطارًا تقنيًا يمكن البناء عليه إذا توفرت موارد وتمويل مستدام.
كما أن الطلب الدولي على "نمط فلفل حلب" ما زال قائمًا—ويظهر ذلك في وجود منتجات تجارية تحمل اسم Aleppo في المتاجر العالمية—لكن كثيرًا من هذه الإمدادات تُنتج الآن من مناطق في تركيا المجاورة، ما يؤكد وجود سوق يمكن استعادته محليًا شريطة دعم الإنتاج الأصيل.